أصبح إنتاج عيش الغراب (Mushroom المشروم) من المشروعات الصغيرة الأكثر ربحية والأقل تكلفة في العالم العربي، خاصة أنه يناسب ذوي المدخرات الصغيرة، كما يمكن تنفيذه في إحدى الحجرات بالمنزل.
وقد تزايد الطلب على منتج المشروم في أسواق الدول العربية بعد أن أطلق عليه البعض مصطلح "لحم الفقراء"؛ نظرا لانخفاض أسعاره واحتوائه على نفس المكونات البروتينية للحوم.
ويمكن تحويل المشروم لغذاء شعبي في المنطقة العربية بمزيد من التوعية بمميزاته العديدة وفوائده الغذائية المتنوعة، بما يؤمن لمنتجيه سوقا كبيرة، فما هو عيش الغراب وتاريخه؟ وكيف يتم إنتاجه وزراعته؟ والجدوى الاقتصادية له كمشروع يمكن أن يقبل عليه الشباب من ذوي المدخرات البسيطة، وماذا عن الناجحين والفاشلين في هذا المشروع؟.
السطور القادمة تقدم معلومات أولية حول هذا المشروع:
أولا - ما هو عيش الغراب؟
هو فطر، وعادة ما يوضع في مملكة منفصلة عن النبات والحيوان، فهو لا يحتوي على الكلوروفيل الذي يستخدمه النبات في طعامه من خلال عملية التمثيل الغذائي، ولكنه يعتبر من المترممات التي تعيش على تحلل الكائنات الميتة.
ويتكون عيش الغراب من جسم يسمى بـالميسيليوم، وتحتوي ثمرته على بذور تسمى حويصلات، كما أن جسمه يخزن المواد والمركبات الغذائية لإنتاج ثمرة عش الغراب حينما تكون الظروف مناسبة. كما أنه يتنفس كالإنسان ولكنه بلا رئتين.. فهو يقوم بعملية تبادل الغازات مع الهواء الخارجي.. وهو يغرق كما يغرق الإنسان إذا غطس تحت الماء، حيث لا يستطيع استبدال الأكسجين وتنمو البكتيريا اللاهوائية، وهو كغالبية الكائنات الحية، ينمو في بيئة دافئة.. فالماء القليل أو الرطوبة العالية قد يتسببان في قتله.
وحول قيمته الغذائية يقول الدكتور رضا سكر الخبير بمركز تكنولوجيا الغذاء المصري: إن قيمة المشروم الغذائية عديدة ومتنوعة، ويكفي أنه يحتوي على الأحماض الأمينية الأساسية التي يحتاجها جسم الإنسان وهي موجودة بشكل طبيعي بجانب الفيتامينات B,C,d.
وقد كان يصنف المشروم من الأطعمة الفاخرة، لكن نتيجة لارتفاع أسعار اللحوم بدأ يندرج ضمن وجبات الطبقات الفقيرة وكضيف دائم وبديل للبروتين الحيواني المفقود، كما يحتوي على جميع الأملاح المعدنية والبوتاسيوم والفوسفور والماغنسيوم والحديد بالإضافة إلى بعض الفيتامينات المهمة والأحماض، مثل الفوليك، كما أن نسبة البروتين به نحو 3,5% وهو طازج وترتفع النسبة إلى 35% للجاف ويتميز بخلوه من الكوليسترول، كما أثبتت أبحاث علمية حديثة أنه مضاد للسرطان.
ويضم المشروم آلاف الأنواع منها عشرات الأنواع السامة ومئات مستخدمة كغذاء راقٍ للإنسان، ومن أهم أنواعه المستخدمة كغذاء منها عيش الغراب العادي أو البوتون، عيش الغراب الشيتاكي أو الصيني، عيش الغراب المحاري، فطر البادي البري، النيبيولاريس، فطر العسل، هريسيوم إيريناسيوس، تريكولوما ما تسوتاكي.
أما أشهر الأنواع السامة فتقدر بالعشرات، ولا توجد طريقة نظرية لمعرفة السام من غير السام إلا بالتحليل الكيميائي، والاعتماد على الشكل فقط غير كافٍ لمعرفته، وتوجد هذه الأنواع تحت عائلة، ومنها قلنسوة الموت عيش الغراب الأحمق، عيش الغراب الخجول، عيش الغراب الذبابي. (لمزيد من التفاصيل حول هذه الأنواع والقيمة الغذائية: انظر: عيش الغراب السام... رياضة قومية!، وكذلك: عيش الغراب.. سلاح سري للاغتيالات
ثانيا- مستلزمات وشروط الزراعة
لا بد من توفر مستلزمات أساسية حتى تبدأ مشروع المشروم وأبرزها:
1- تجهيز البيئة: وهي التربة الأساسية التي يزرع فيها المشروم، ويتم تجهيز البيئة من تبن القمح الخشن، أو قش الأرز، أو حطب القطن أو مخلف نباتي أو حقلي آخر. ثم يضاف 5% ردة +5% جبس زراعي، تعبأ بعد ذلك في أكياس من البلاستك المجدول، ثم توضع في براميل ماء للنقع لمدة 3 ساعات، ثم تسخن البراميل حتى 2 ساعة غليان.
بعد ذلك ترفع العبوات وتترك حتى تبرد درجة حرارتها، وتصفى نسبة كبيرة من الماء الزائد ويمكن تركها حوالي 6 ساعات قبل الزراعة وحتى 48 ساعة. (وهذه البيئة أو تربة المشروم قد يمكنك شرائها جاهزة من الهيئات الزراعية في الدول العربية أو الشركات التي تعمل في المشروم وهي كثيرة في المنطقة العربية..).
2- التقاوي، لا بد من شراء البذور من أماكن معتمدة (وزارات الزراعة غالبا أو شركات ذات ثقة) حتى تكون صالحة للزراعة.
3- توفير المكان المناسب فإما حجرة أو بدروم مبني، صوبة... وكذلك ترمومتر لقياس درجة الحرارة.
ويتميز المشروم عن غيره من المشروعات بسهولة زراعته بحيث يمكن لأي شخص تنفيذها بنجاح إذا التزم بعدد من الخطوات الأساسية يذكرها لنا المهندس حسام إبراهيم من مركز البحوث التابع لوزارة الزراعة المصرية وأهمها:
1- يجب مراعاة النظافة التامة لموقع الإنتاج، سواء كان ذلك حجرة أو جراجا أو مخزنا أو صوبة أو بدروما، كما يجب أن تكون النوافذ عليها سلك ضيق لعدم دخول الحشرات، وأن تكون الحوائط خالية من الشقوق والفتحات التي قد تحتوي على الحشرات والجراثيم، ويجب أيضا تطهير الموقع قبل الزراعة باستخدام المطهرات، مثل الفنيك أو السافلون.
2- درجة الحرارة، تختلف باختلاف نوع عيش الغراب المستخدم فمثلا في نوع الأجاريكس يجب أن تتراوح ما بين 18-22، وألا تزيد عن 25، أما نوع عيش الغراب البلورتس فتتراوح ما بين 18-28، وهناك النوع الصيني الذي يحتاج إلى درجات حرارة من 30 إلى 34.
3- لا تزيد نسبة الرطوبة فيه على 85 % لجميع أنواع عيش الغراب، ولا يتعرض لأشعة الشمس المباشرة حتى لا تضعف الثمار. وعند الزراعة في صوب بلاستيك معرضة للشمس، فيجب تغطيتها بشبك تظليل.
ثالثا- طرق إنتاج المشروم
هناك طرق عديدة لزراعة المشروم منها:
1- طريقة الأكياس البلاستيك، وهي أسهل وأرخص الطرق، وفيها يتم وضع الأكياس على أرضية خشبية (رفوف، مقاعد...) يفتح الكيس ويوضع فيه طبقة من البيئة الجاهزة، ويتم رص فوقها التقاوي، وتوضع بعد ذلك طبقة أخرى من البيئة حوالي 10 سم، ثم ترش فوقها تقاوٍ ثم توضع طبقة أخرى من البيئة حوالي 5 سم.
بعد ذلك نغلق الكيس جيدا ونتركه لمدة أسبوعين إلى 3 أسابيع حتى ظهور النموات البيضاء (الميليسوم) بعد ذلك نفتح الكيس من أعلى ونتركه أسبوعا، ثم نشقق الكيس من الجوانب لخروج بعض النموات منها. وتستمر في عمليات الخدمة والرطوبة، ويتم الحصول على 3 قطفات في الدورة الواحدة.
2- طريقة الزارعة في الشبك البلاستيك، وذلك بوضع الشبكة (طولها 80 سم) داخل الكيس وتعبأ مثل الأكياس البلاستيك، ثم نغلق عليها وهي داخل الكيس، وبعد فترة التحضين (2-3) أسابيع يمكن إخراج الشبك، وتعليقها في أي مكان ذي رطوبة نسبية عالية وترش يوميا برذاذ بسيط من الماء.
3-الزارعة في أسطوانات، وهي أفضل الطرق وأشهرها في الدول العربية لكونها أقل تكلفة وأقل حيزا في المكان والأسطوانة طولها 1.5 متر وقطرها 30 سم، وتحتاج إلى 35 كجم بيئة + 1 كجم تقاوٍ، وتنتج حوالي 5 كجم ثمار في الدورة (10 أسابيع)،
ويمكن استخدمها في المنازل والحجرات المتوسطة. ويتم تجهيز الأسطوانة مع وجود الغطاء البلاستيك عليها ثم تعبأ بمخلوط البيئة والتقاوي الذي يجهز عن طريق وضع البيئة علي مشمع نظيف على الأرضية ثم خلطها بالتقاوي، وتُعبأ في الأسطوانة بعد ذلك، مثل تعبئة الأعمدة الخرسانية، ويراعى رج الأسطوانة أكثر من مرة أثناء الزراعة حتى لا تكون هناك فجوات هوائية كثيرة ثم يربط الغطاء البلاستيك من أعلى بعد تمام الملء، بعد ذلك ترص الأسطوانات في صفوف. ويجب أن يكون بين كل أسطوانة وأخرى 50 سم من جميع الجهات مع محاولة تثبيتها راسيا من خلال الأسلاك والمواسير في الحوائط. وهناك طرق أخرى عديدة في الزراعة مثل الزراعة على الرفوف وفي الصناديق البلاستيك.
ويتم خروج الثمار بعد حوالي 3 أسابيع وتدخل في دور النضج في الأسبوع الرابع، حيث يمكن قطفها، ثم تقطف مرة أخرى بعد أسبوعين من القطفة الأولى ثم قطفة ثالثة بعد أسبوعين من القطفة الثانية أيضا، وذلك إلى أن يتم التأكد من انتهاء المحصول تماما.
رابعا- الحفظ والتعبئة
يعتبر المشروم من الزراعات سريعة التلف؛ لذا لا يمكن تسويق معظم المنتج طازجا، ومن هنا كان لا بد من البحث عن طرق عديدة لإطالة فترة الحفاظ عليه لحين استخدامه ومن أهم طرق حفظه:
1- التبريد:
يمكن حفظه لمدة 5-10 أيام في الثلاجة العادية على درجة 2-5 في كيس ورقي بني اللون.
2- التجميد:
يوضع في كيس نايلون مهوى، ويستمر لعدة أسابيع، ويمكن حفظه بهذه الطريقة لفترة أطول؛ وذلك بعد سلقه ووضع الليمون والملح عليه لحفظ اللون كما يمكن تجميده لنفس الفترة مطبوخا.
3- التجفيف:
نفس طريقة حفظ البامية حيث يعلق في حبال بعد تقطيعه شرائح، ويوضع في الشمس لمدة أسبوع حتى يجف تماما، ثم يعبأ بأكياس ورق محكمة في مكان جاف. كما أن هناك طريقة التجفيف في الأفران، حيث يوضع الإنتاج داخل أفران مخصصة لذلك تحت درجة حرارة 45 درجة لمدة 48 ساعة.
وتلجأ إلى هذه الطريقة الشركات الكبرى ومشاريع الإنتاج الضخم؛ وبذلك يمكن حفظه بهذه الطريقة لمدة تزيد على 6 أشهر كاملة بدون أن يتلف أو تفسد قيمته الغذائية فضلا عن أن سعر الكيلو يتضاعف عشر مرات لسعر الطازج؛ لأن كل 10 كيلو طازج تصبح بعد التجفيف كيلو واحد فقط، وهذه الطريقة تساعد على التصدير أو الاستفادة من المنتج الذي فشل صاحب المشروع في تسويقه طازجا. وإن كان المجفف ليس بكفاءة الطازج ويستخدم في الشربة والقلي والطبخ.
4- التخليل:
يغسل ويسلق بماء مغلي لمدة 15 دقيقة، ثم يوضع سريعا بماء بارد وينقل لعلب أو برطمانات ذات فوهة واسعة، ويصب عليه محلول ملح مع قليل من الخل وفيتامين C وتغلق الزجاجات، وتعقم على بخار ماء لمدة ساعة ثم تبرد.
5- التعليب:
أحسن وسيلة للحفظ والأكثر تداولا؛ لذلك يتم غسل واختيار الثمار الجيدة قبل سلقها في ماء مغلي لمدة دقيقتين، ثم يبرد ويعبأ في برطمانات زجاجية، ويصب عليه المحلول الملحي، ويتم التسخين الابتدائي بالبخار أو الماء المغلي، ثم يقفل بإحكام ويتم التعقيم لمدة ساعة كاملة، وتبرد البرطمانات ببطء ويحفظ هكذا لمدة 6 أشهر.
خامسا: الجدوى الاقتصادية
يعتبر مشروع عيش الغراب من المشاريع المغرية بالاستثمار الصغير لما يحققه من أرباح عالية بأقل التكاليف، كما يمكن إقامته في حجرة صغيرة بالمنزل وبدروم أو مخزن بشرط توافر النظافة التامة والرطوبة المناسبة والبعد عن أشعة الشمس المباشرة، حيث إن المتر المربع يسع لأسطوانتين.
وهذه دراسة جدوى رصدتها إحدى الشركات العاملة في مصر لـ 50 أسطوانة لعيش الغراب:
1- التكاليف:
- الأسطوانة كاملة تشمل (أسطوانة - بيئة معقمة - تقاوٍ) بقيمة 25 ج (الدولار= 6.18 رسميا).
- 50 أسطوانة × 25 ج = 1250 ج.
- أدوات للزراعة (ترمومتر لقياس درجة الحرارة - هيدروميتر - كمامات - قفازات معقمة) بقيمة 80 ج.
إجمالي التكاليف 1250 + 80 = 1330 ج.
2- الإيرادات:
- الإنتاج المتوقع من 4: 6 ك للأسطوانة الواحدة للدورة.
- سعر الكيلو 6 ج إذا تم بيعه لتاجر التجزئة أو لمؤسسة تتولى تسويقه.
- مدة الدورة الواحدة 76 يوم بمعدل 4 دورات في العام.
- الأسطوانة صالحة للزراعة لمدة 6 سنوات.
- بفرض أن الأسطوانة الواحدة تعطي 5 ك في الدورة الواحدة بسعر 6 ج للكيلو.
إجمالي الإيرادات = 50 أسطوانة × 5 ك × 6 ج = 1500 ج.
3- الأرباح:
متوسط صافي ربح الدورة الأولى = 1500 - 1330
(تكاليف ثابتة - متغيرة ) = 170 ج.
متوسط صافي الربح للدورات الثانية، الثالثة، الرابعة = 1500 - 750
(تكاليف متغيرة) (بيئة - تقاوٍ) = 750 × 3 دورات = 2250ج.
إجمالي الأرباح = 170 + 2250 = 2420ج (متوسط صافي الربح)
بمعدل 605 ج متوسط صافي الربح في الدورة الواحدة.
وهذا مجرد نموذج لكيفية حساب الجدوى الاقتصادي لإنتاج المشروع، وهي قابلة للاختلاف من بلد إلى آخر بحسب مدخرات المنتج، وأسعار أدوات الزراعة والتقاوي وثمن البيئة المجهزة.
سادسا: طريقة التسويق
نحن بصفة عامة في أي مشروع صغير ننصح بأن يبدأ هذا المشروع من النهاية ثم الرجوع للخلف؛ بمعنى أن على المبتدئ الذي يريد دخول حلبة الإنتاج أن يبدأ بالتسويق أولا، وعندما يجيد تصريف المنتجات التي يأتيه بها التجار يبدأ بالرجوع للخلف؛ أي بإنتاج المشروم الذي لن يحتار في تسويقه عندئذ بما اكتسب من خبرة.
أو قد يبدأ بأن يحل محل التاجر الوسيط (تاجر الجملة) فيذهب إلى المنتجين ويشتري منهم المشروم جملة ويوزعه على محلات التجزئة. المهم أن يتقن تصريف المنتجات، حتى إذا أصبح منتِجًا فلن يحتار في التسويق ولن يُغلب ويبخس حقه اعتمادا على جهله بالتسويق.
وهناك أسلوب في التسويق يعتمد على التعاقد مسبقًا؛ فقد يتعاقد المنتج مع محلات السوبر ماركت أو الفنادق والمطاعم على توريد كميات معينة بمواصفات معينة في فترات معينة، ويرتب إنتاجه على هذا الأساس، ونحن ننصح بأن يجري هذا التعاقد أولا قبل البدء في المشروع، ويتم تلبية هذه المتطلبات من المنتجين الفعليين؛ أي أن الشخص يقوم في هذه الحالة بدور تاجر الجملة (متعهد التوريد)، وعندما يتبين له حالة السوق ومدى الأرباح الممكن جنْيُها وإمكانية تصريف المنتجات يقيم مشروعه الإنتاجي حسب قدرته على التصريف التي اكتسبها من عمله كتاجر جملة.
عن إسلام أون لاين
حمدي الحسيني